اتجار بالبشر وانتهاكات.. كولومبيا تطيح بشبكة نفذت اعتداءات طالت أطفالاً

اتجار بالبشر وانتهاكات.. كولومبيا تطيح بشبكة نفذت اعتداءات طالت أطفالاً
عناصر أمن كولومبية

قادت سلسلة تحذيرات دولية أطلقتها جهات أمنية حول نشاط طائفة دينية متشددة إلى واحدة من كبرى عمليات الإنقاذ التي تنفذها السلطات الكولومبية هذا العام، حيث اقتحمت قوات مشتركة من هيئة الهجرة ووحدة مكافحة الاختطاف التابعة للجيش أحد الفنادق الصغيرة في بلدة يارومال الجبلية شمال البلاد، لتنتهي العملية بإنقاذ 17 طفلاً من أعضاء طائفة ليف طاهور اليهودية المتشددة التي تلاحقها اتهامات واسعة بالاعتداء الجنسي على الأطفال والانخراط في أنشطة يُشتبه بأنها مرتبطة بالاتجار بالبشر.

ووفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية، مساء الأحد، فإن الأطفال الذين يحملون جنسيات مختلفة كانوا يقيمون في الفندق منذ أيام قليلة فقط، بعد وصول المجموعة من الولايات المتحدة عبر رحلة مرت عبر نيويورك، وقد أظهرت الصور التي نشرتها السلطات على منصة “إكس” مجموعة من القاصرين وقد أخفيت وجوههم، في حين كان عناصر الأمن يرافقونهم إلى سيارات نقل خاصة أقلّتهم إلى مركز حكومي مخصص لحمايتهم.

وتشير المعلومات الأولية إلى أن مجموعة ليف طاهور وصلت إلى كولومبيا في الثاني والعشرين من نوفمبر، واتخذت من فندق في يارومال مقراً مؤقتاً لها، وتوضح الصحف المحلية أن هذه المنطقة الجبلية كانت مرشحة لتصبح مقراً دائماً للمجموعة، التي سبق أن تنقلت خلال السنوات الماضية بين عدة دول منها المكسيك وغواتيمالا وكندا، قبل أن تحط رحالها مجدداً في أمريكا اللاتينية.

وتقول هيئة الهجرة الكولومبية إن ما أثار الانتباه هو وجود خمسة أطفال بين أفراد المجموعة يحملون الجنسية الأمريكية، وكانت قد صدرت بشأنهم بلاغات اختفاء في الولايات المتحدة، ما أدى إلى تفعيل إخطار من الإنتربول، وتشير الهيئة إلى أن بعض الأطفال ربما يكونون قد نُقلوا خارج بلدان إقامتهم الأصلية بطريقة وصفتها بأنها يمكن أن تندرج ضمن الاتجار بالبشر تحت ستار ممارسة النشاط الديني.

شبهات متراكمة واتهامات

تاريخ الطائفة لا ينفصل عن سلسلة من الشكاوى والادعاءات التي طاردتها لسنوات، فالنساء في هذه الجماعة يرتدين عباءات سوداء تغطي أجسادهن بالكامل، في حين يخضع الأطفال لطقوس دينية صارمة، وخلال العقدين الماضيين، واجهت الطائفة اتهامات عديدة في الولايات المتحدة وغواتيمالا والمكسيك وكندا، تضمنت سوء معاملة للقاصرين وإجبارهم على عيش نمط منعزل ومغلَق، غالباً بعيداً عن أي رقابة رسمية.

وفي ديسمبر 2024، أعلنت السلطات في غواتيمالا إنقاذ 160 طفلاً من داخل الطائفة، في واحدة من كبرى العمليات التي استهدفتها. وترافق ذلك مع مذكرات توقيف دولية لبعض قادتها، منهم شخصيات تواجه تهماً تتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال.

مصادر أمنية في كولومبيا تؤكد أن العملية الأخيرة لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة مراقبة دقيقة لتحركات أعضاء الطائفة لحظة دخولهم البلاد، وأشارت الشرطة إلى أن الغرفة المخصصة للأطفال داخل الفندق أظهرت خلال التفتيش ما وصفته بأنه من الدلائل على الإهمال وسلوكيات توحي بوجود محاولة للسيطرة عليهم، ما عزز من فرضية تعرضهم لأشكال غير معلنة من سوء المعاملة.

ووفق بيان الجيش، فإن عملية الإنقاذ تمت من دون مقاومة تذكر، في حين جرى نقل الأطفال تدريجياً تحت إشراف فرق طبية ونفسية للتأكد من سلامتهم ولتقديم المساندة الأولية لهم، وتقول الشرطة الكولومبية إن الأطفال ما زالوا في عهدة الدولة، في حين يجري التنسيق مع السلطات في البلدان التي يحملون جنسياتها لضمان اتخاذ الخطوات القانونية المناسبة.

قلق حقوقي من نمط متكرر

تتابع منظمات حقوق الإنسان بقلق متزايد تحركات “ليف طاهور”، معتبرة أن هذه الجماعة باتت تنتقل من دولة لأخرى بحثاً عن بيئات أقل صرامة قانونياً لتسهيل استمرار ممارساتها، ويرى مختصون أن الطائفة تعتمد على التعتيم الداخلي، وتفرض عزلة شبه كاملة على أفرادها، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للممارسات المسيئة أو الاستغلالية.

ويحذر خبراء من أن انتقال الجماعة بين دول في غرب آسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية منذ التسعينيات أدى إلى صعوبات في مراقبة أنشطتها وملاحقة قادتها، خاصة أنها لا تعتمد على هياكل تنظيمية واضحة بل على روابط دينية مغلقة.

تعود بدايات ليف طاهور إلى عام 1988 حين تأسست في إسرائيل على يد كلومو إيريز هيلفرانس، وخلال سنوات لاحقة، واجه مؤسسها اتهامات خطيرة أدت إلى سجنه عامين في الولايات المتحدة بتهمة الاختطاف، وبعد خروجه، تنقلت الجماعة المتشددة بين عدة دول قبل أن يستقر بها الحال في المكسيك لفترة، حيث توفي هيلفرانس عام 2017 أثناء أداء طقوس دينية.

ومنذ ذلك الوقت، تزايدت الأحداث التي ربطتها السلطات بعمليات تهريب قاصرين ومحاولات للتهرب من الرقابة القانونية. وقد تراوحت الاتهامات بين الاعتداء الجنسي على الأطفال وممارسة طقوس دينية قسرية، وصولاً إلى استخدام الدين غطاءً لعمليات اتجار بالبشر.

خطوات مقبلة وانتظار للنتائج

لا تزال السلطات في كولومبيا تعمل على تحديد الوضع القانوني للأطفال السبعة عشر الذين تم إنقاذهم، بالتنسيق مع حكومات بلدانهم، في حين تستمر التحقيقات مع البالغين من أعضاء الطائفة الذين كانوا برفقتهم، ويؤكد مسؤولون أن الأولوية في هذه المرحلة هي حماية الأطفال والتأكد من عدم تعرضهم لأي شكل من أشكال الإساءة مستقبلاً.

كما تشير تقارير صحفية إلى إمكانية فتح تحقيقات جديدة على المستوى الدولي، خاصة في ظل وجود نشرات حمراء سابقة صادرة عن الإنتربول بحق بعض قادة الطائفة الذين يُعتقد أنهم كانوا جزءاً من الحركة التي نقلت الأطفال إلى كولومبيا.

طائفة ليف طاهور مجموعة دينية يهودية متشددة تأسست في إسرائيل عام 1988 وتتبع تفسيراً متطرفاً للأحكام الدينية، وتفرض عزلة صارمة على أعضائها، تنقلت الجماعة خلال العقود الأخيرة بين إسرائيل وكندا وغواتيمالا والمكسيك والولايات المتحدة، حيث واجهت اتهامات متكررة تتعلق بالإساءة للأطفال والزواج القسري والاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر، وتعتمد الجماعة على نمط معيشة مغلق وتحظر على أعضائها الاندماج في المجتمعات المحيطة. تتمتع بهيكل غير رسمي يصعب تتبعه، ما جعل ملاحقة قياداتها أكثر تعقيداً، وقد نفذت عدة دول عمليات أمنية ضدها خلال السنوات الماضية، من أبرزها عملية غواتيمالا عام 2024 التي أسفرت عن إنقاذ 160 طفلاً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية